كتبت بيني جرين وجريس سبنس جرين أن ما يحدث في غزة منذ 7 أكتوبر 2023 لا يمكن وصفه إلا بأنه إبادة صحية، حيث يعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى إحداث إعاقات جماعية في صفوف السكان عبر القصف والتجويع والحصار، بالتوازي مع تدمير منظّم للبنية التحتية الصحية التي تمكّنهم من الصمود.

أفاد ميدل إيست آي أن تقارير الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية وثّقت أكثر من 4,500 حالة بتر أطراف، وعشرات آلاف إصابات النخاع الشوكي والدماغ، كثير منها يصيب الأطفال. هذه الأعداد تتجاوز قدرة أي منظومة صحية على الاستيعاب، فما بالك بمنظومة أُنهكت أصلًا بحصار مستمر منذ 16 عامًا. تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 17 ألف إصابة جسيمة بالغة الحدة أُلقي عبؤها على خدمات شبه منعدمة لإعادة التأهيل.

منذ سنوات، ارتكزت سياسة الإبادة على إضعاف الفلسطينيين ماديًا ونفسيًا: الاكتظاظ، سوء التغذية، المنع المتكرر للدواء، التعذيب، والإذلال الجماعي. ثم جاء الحصار الكامل في أكتوبر الماضي ليغلق كل منافذ الحياة: لا كهرباء، لا ماء، لا غذاء، ولا وقود. بالنسبة لذوي الإعاقة والمرضى، صار الحصول على أجهزة مساعدة أو علاج مستحيلًا تقريبًا، إذ منعت إسرائيل دخول المواد اللازمة لصناعة الأطراف الاصطناعية، أو حتى البطاريات الضرورية للكراسي المتحركة.

القصف المستمر حوّل المستشفيات إلى ساحات قتل. وزارة الصحة في غزة أعلنت أن مئات الأطباء والممرضين والعاملين في الطوارئ قُتلوا أو أُصيبوا أو جرى اعتقالهم، فيما خرجت عشرات المستشفيات ومراكز الرعاية عن الخدمة. بذلك، لا يقتصر الاستهداف على الأفراد، بل يشمل المنظومة التي كان يفترض أن تمنحهم فرصة للحياة.

المفهوم الذي صاغه بعض الباحثين لوصف هذا الواقع هو "مبيد حشري"، أي التدمير المتعمد والشامل للصحة العامة. فالاحتلال لا يكتفي بإصابة الأفراد، بل يحرص على منع أي عملية تعافٍ أو تأهيل. بمعنى آخر، الإبقاء على المصاب في حالة عجز دائم يشكّل وسيلة لإضعاف المجتمع بأسره.

أمثلة المأساة عديدة: أطفال مبتورو الأطراف بالمئات، مرضى يواجهون الموت بسبب انقطاع التغذية الأنبوبية أو فقدان أجهزة التنفس، أشخاص ذوو إعاقات حركية عالقون في أبنية مرتفعة بلا كهرباء للمصاعد. حتى مراكز إيواء النازحين لا تتوافق مع أبسط متطلبات ذوي الإعاقة، ما يجعل حياتهم أكثر هشاشة.

منظمات إنسانية مثل اليونيسف أكدت أن غزة باتت تضم أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث، إذ يفقد نحو عشرة أطفال يوميًا أطرافهم نتيجة القصف أو الانهيارات. ومع تدهور الصحة العامة، برزت أمراض مثل شلل الأطفال والتهاب السحايا، فيما يعاني السكان من سوء تغذية يضعف المناعة ويزيد عرضة الأصحاء أصلًا للإعاقة أو المرض.

هذا الواقع لا يُنتج جراحًا جسدية فقط، بل يترك أثرًا نفسيًا جماعيًا بالغًا. برامج الصحة النفسية المحلية تتوقع أن كل طفل في غزة سيحتاج إلى دعم نفسي عاجل مع استمرار الحرب. فالصدمة، والاكتئاب، وفقدان الأمل باتت أمراضًا عامة موازية للإصابات الجسدية.

النتيجة أن كل فلسطيني في غزة يعيش شكلًا من أشكال الإعاقة، سواء بفقدان عضو أو بفقدان القدرة على الحركة أو التعليم أو العمل أو حتى الوصول إلى الغذاء والدواء. منازل، مدارس، جامعات، ومؤسسات عامة أُزيلت من الوجود، ما حرم السكان من الأماكن التي مارسوا فيها حياتهم اليومية.

يؤكد الكاتبان أن سياسة الاحتلال لا تستهدف الأفراد وحسب، بل تهدف إلى القضاء على إمكانية التعافي والقدرة على المقاومة. فعندما يصبح البقاء مرادفًا للعجز الدائم، تتحول الإعاقة إلى حكم بالموت، ليس فقط جسديًا بل وطنيًا أيضًا، عبر محاولة محو هوية الفلسطينيين وقدرتهم على الاستمرار كجماعة.

بهذا، يتحول قصف غزة وحصارها إلى أكثر من حرب تقليدية: إنه مشروع إنتاج الإعاقة والإبادة الصحية، حيث يسير الجرح والدمار جنبًا إلى جنب مع منع العلاج والتأهيل، ليصبح الموت نتيجة حتمية.

https://www.middleeasteye.net/big-story/gaza-israel-genocide-disability-can-become-death-sentence-today-how